بحث علمي شامل عن البحار والمحيطات
صفحة 1 من اصل 1
بحث علمي شامل عن البحار والمحيطات
بحث علمي شامل عن البحار والمحيطات
. أصل المحيطات:
المحيطات من الظاهرات القديمة على سطح الأرض. وقد اندثرت، عبر الزمن، شواهد نشأتها. فنتيجة للتسرب التدريجي للماء في الطبقات الصخرية إلى سطح الأرض من خلال الأنشطة البركانية، تجمع الماء، الذي كان محصوراً بين الصخور، على سطح الأرض. وقد بدأت هذه العملية منذ 4 بلايين سنة مضت. بعض الصخور القديمة، التي يقدر عمرها بنحو 3.8 بلايين سنة، تحتوي على آثار فقاعات مائية، وظواهر أخرى، تدل على أنها أرسبت في ماء. ويحتوي بعض هذه الصخور، التي يعود عمرها إلى 3.4 بلايين سنة، على كائنات عضوية، شبه بكتيرية، بدائية جداّ، لا يمكن رؤيتها إلا من خلال مِجْهر إلكتروني. وقد بدأت عمليات التمثيل الضوئي للنبات المائي البدائي، وأنتجت الأكسجين، منذ قرابة ثلاثة بلايين سنة مضت، ذلك الغاز الحيوي لبقاء الأحياء على الأرض.
ب. التغير في الأحواض المحيطية
مع أن المحيطات من الظواهر القديمة على سطح الأرض، إلا أن خطوط الساحل، أي الحدود بين اليابس والماء، في تغير مستمر، وإن بطيئاً جداً. ويمكن أن يتغير موقع خطوط الساحل، في إحدى حالتَين: الأولى، كلما ارتفعت أو انخفضت كتل القارات؛ والثانية، كلما ارتفع أو انخفض مستوى سطح الماء في البحر، بالنسبة
إلى قارة ثابتة. وقد حدثت حركات بطيئة للقارات، مرات متكررة، في تاريخ الأرض؛ وما زالت تحدث إلى اليوم. تشهد بذلك الشواطئ القديمة المرتفعة، على طول ساحل كاليفورنيا، والقلاع الإغريقية والرومانية المغمورة، حول البحر الأبيض
المتوسط. وتعطي هذه الشواهد صورة لتأثير هذه التغيرات في خطوط الساحل.
ويتغير مستوى سطح البحر، إذا حدثت تغيرات في كمية المياه في المحيطات.
فتواكب، مثلاً، التغيرات الكبيرة، والمفاجئة نسبياً، في مستوى سطح البحر، نمو
أو اختفاء الغطاءات الثلجية الكبيرة على سطح الأرض، والمسماة بالثلاجات؛ إذ
يأتي الماء المخزن في هذه الثلاجات، المقدَّرة بحجم القارات، من المحيطات.
ونتيجة لذلك، فإن مستوى سطح البحر، ينخفض عند تكوُّن الثلاجات، ويرتفع عندما تذوب.
خلال الثلاثة ملايين سنة الماضية، مرت على الأرض عدة عصور جليدية. قبل نحو 20 ألف سنة، غطت الثلوج مناطق واسعة من العروض، الوسطى والعليا. في ذلك الوقت، كان سطح البحر دون مستواه الحالي بنحو 130 متراً (انظر شكل التغير في مستوى سطح البحر). ومعظم أطراف القارات، المغمورة بمياه ضحلة، كانت أرضاً يابسة في ذلك الوقت. فكان هناك، مثلاً، اتصال يابس بين آسيا وأمريكا
الشمالية. وتلك المنطقة، يغمرها، الآن، بحر ضحل. ويرجح أن الإنسان، هاجر عبر
تلك المنطقة، ليقطن في الأمريكتَين، الشمالية والجنوبية. وتوجد آثار حيوانات
ثديية منقرضة، تشبه الفيلة، رعت في المناطق الهامشية المغمورة، في أمريكا
الشمالية، على المحيط الأطلسي. كما توجد آثار مجارٍ لأودية كبيرة، تغمرها
المياه، الآن، في تلك المناطق.
وقد أدى ارتفاع مستوى سطح البحر، نتيجة لذوبان الغطاءات الثلجية على القارات،
غمر الماء لأودية الأنهار. وتشكلت على السواحل الجبلية، التي تعرضت لنحت
الثلاجات، ظاهرة تستحق التصوير، وهي تلك الخلجان شديدة انحدار الجوانب، التي
تسمى الفيوردات.
لو أن كل الماء المحجوز في الغطاءات الثلجية، على القارة القطبية الجنوبية
وجرينلاند، عاد إلى المحيطات، لارتفع مستوى سطح البحر قرابة 50 متراً (160
قدماً). وذلك سيؤدي، بالطبع، فيضان مياه البحر على أجزاء كبيرة من المناطق
الساحلية المنخفضة، وعدد كبير من المدن الساحلية؛ لتصل المياه، مثلاً، إلى
الدور العشرين في مباني وسط مدينة نيويورك.
وتحدث تغيرات بطيئة في خطوط الساحل، كذلك، مع الحركة البطيئة لكتل القارات
والأحواض المحيطية، التي تدفعها قوى باطنية؛ وتلك العملية، تدعى تكتونية
الصفائح الطافية.
حركة الصفائح التكتونية
تقسم نظرية تكتونية الصفائح الغلافَ الصخري للأرض، إلى عدد
من الصفائح المتباينة مساحاتها تبايناً كبيراً؛ فمنها الكبيرة، ومنها
الصغيرة. وهناك، على الأقل، ست صفائح تكتونية كبيرة، نسبياً، هي: صفيحة
المحيط الهادي Pacific Plate، والصفيحة الأوراسية Eurasia Plate،
والصفيحة الأفريقية Africa Plate، وصفيحة أمريكا الشمالية North
America Plate، وصفيحة أمريكا الجنوبية South America Plate، والصفيحة الأسترالية ـ الهندية Australia-India Plate، والصفيحة العربية Arabia Plate، والصفيحة الإيرانية Iran Plate.
ويتكون حزام ثنية الألب، الممتد من مضيق جبل طارق حتى الشرق الأوسط، من
عدد من الصفائح الصغيرة جداً.
ومن الصفائح ما يمتد تحت المحيط فقط، مثل: صفيحة نازكا Nazca
Plate، في المحيط الهادي، قبالة السواحل الغربية لأمريكا الجنوبية؛
وصفيحة كوكوس Cocos Plate، إلى الشمال منها، قبالة السواحل الغربية
لأمريكا الوسطى. ومن الصفائح ما هو قاري فقط، مثل: الصفيحة الإيرانية.
ومنها ما هو محيطي وقاري، أي يمتد تحت قارة وجزء من المحيطات، مثل:
الصفيحة العربية، والصفيحة الأفريقية، وصفيحة أمريكا الشمالية.
يراوح سمك الصفائح، تحت المحيطات، بين 70 و80 كيلومتراً؛
وبين 100 كيلومتر و150 كيلومتراً، في القارات.
ولأن الصفائح تغطي كل السطح الخارجي للأرض، فلا يوجد فيه
فراغ ليس مشغولاً بإحداها؛ ولأن حجم الأرض ومساحة سطحها ثابتان؛ فإن
تحرك أي صفيحة من هذه الصفائح، سيؤثر في الصفائح المجاورة لها. وتبعاً
لاتجاه حركة الصفيحة، بالنسبة إلى الصفائح المجاورة، فقد ميز العلماء
ثلاثة أنواع، من العلاقات الحركية فيما بينها. إذ رأوا أن الحد الفاصل
بين أي صفيحتَين، سيشهد واحدة من ثلاث حالات، تبعاً لحركة كل منهما،
نسبة إلى الأخرى: إما أن تتحرك كل منهما في اتجاه فتتباعدان، فتكون
الحدود متباعدة (الشكل الرقم 44)؛ أو أن تصطدما، فتسمى حدودهما، في هذه
الحالة، حدوداً متقاربة (الشكل الرقم 45)؛ أو أن تحتك إحداهما بالأخرى،
حين تنزلقان، أفقياً، في اتجاهين متعاكسين، فتكون الحدود بينهما أفقية
أو محافظة (الشكل الرقم 46). لذا، يمكن القول، إن أنواع الحدود الحركية
Tectonic Boundaries، ثلاثة هي: الحدود الصفائحية المتباعدة، والحدود
الصفائحية المتقاربة، والحدود الصفائحية المحافظة.
1. الحدود الصفائحية المتباعدة
تتحرك الصفيحتان التكتونيتان المتجاورتان، في هذه الحالة،
مبتعدتين إحداهما عن الأخرى؛ فتتباعد حدودهما، وتسمى الحدود المتباعدة
Diverging Plate Boundaries. ويملأ الفراغ، الناتج من تباعدهما، صهير
صخري بازلتي Basaltic،ندفع من الوشاح، من الأسفل؛ لسد الفراغ،
فيتجمد، مكوناً قشرة محيطية جديدة. ويصحب هذه العملية نشاط بركاني، على
طول حدود التباعد؛ وانبثاق لابة Lava قاعدية، تشبه في تركيبها تركيب
الوشاح، تكوِّن القشرة المحيطية. ويؤدي تباعد الصفيحتَين، وتكون صخور
جديدة بينهما، اتساع أرضية المحيط Sea Floor Spreading باستمرار. وهذه
الفكرة، هي أحد أسس نظرية الصفائح التكتونية؛ إذ كلما تكونت قشرة
محيطية جديدة، تحركت في الاتجاهين، متيحة انبثاق صهير جديد وتجمُّده.
الفارق الكبير في درجة الحرارة، بين سطح القشرة المحيطية،
التي تغطيها مياه الأعماق المحيطية، التي لا تتجاوز درجة حرارتها أربع
درجات مئوية؛ وبين درجة حرارة صهير الوشاح، تحتها، التي تتجاوز 600ْ
مئوية ـ ينجم عنه ارتفاع درجة حرارة صخور القشرة، في مناطق انبثاق
الصهير، لتكوين قشرة محيطية جديدة. ويؤدي ارتفاع الحرارة الشديد تمدد
صخور حدود الصفائح، وتخفيض كثافتها. وإزاء الضغط عليها من الأسفل،
والناتج عن اندفاع حمم الصهير إلى الأعلى، ترتفع حدود الصفائح
المتباعدة، آلاف الأمتار، عن قاع المحيط حولها.
يسفر ارتفاع حدود الصفائح المتباعدة (الشكل الرقم 44)، عن
تكوين سلاسل جبلية مغمورة، على طول هذه الحدود؛ تعرف بالظهور المحيطية،
أو أُحياد أواسط المحيطات Mid-Oceanic Ridges.
إن ازدياد قشرة الأرض، بين حدود الصفائح التكتونية
المتباعدة، لا بد أن يقابله أحد الإحتمالَين التاليين: أن يزداد حجم
الأرض، فتزداد مساحة القشرة بمعدل ازدياد الحدود المتباعدة نفسه. أو أن
لا يتغير حجم الأرض، فلا تزداد مساحة القشرة؛ وفي هذه الحالة، لا بد أن
يقابل تكون قشرة جديدة عمليات نقص، بطريقة ما، في مكان آخر من القشرة
الأرضية؛ وهذا ما يبدو أنه يحدث فعلاً، في مناطق الحدود المتقاربة.
2. الحدود الصفائحية المتقاربة
يطلق هذا التعبير، "الحدود المتقاربة" Converging
Boundaries، على طول مناطق اصطدام الصفائح التكتونية، حينما يكون اتجاه
حركة كل واحدة منها نحو الأخرى (الشكل الرقم 48). عندما تصطدم
صفيحتَان، فإن القوانين الفيزيائية، تقول إن الصفيحة الأعلى كثافة
منهما، ستغوص تحت الأقل كثافة؛ وهذه العملية، يطلق عليها الاندساس
Subduction. ويصاحب الاندساس ظواهر كثيرة، جيوموروفولوجية وطبوغرافية
وجيولوجية، تدل عليه. والتوائها إذا كانت الصفيحتَان متساويتي الكثافة،
فإن تصادمهما، سيسفر عن تجعد الصخور والتوائها وارتفاعها. وفي كل
الأحول، فإن مناطق التقارب الصفائحي، هي مناطق هدم وتدمير، في القشرة
الأرضية؛ لذا، تسمى الحدود المتقاربة حدود هدم Destructive Margins؛
خلافاً للحدود المتباعدة، التي تُعد حدود بناء، في القشرة الأرضية. وما
يحدد أيّاً من عمليتَي الاندساس والتصادم ستحدث، عند تقارب حدود
الصفائح ـ هو، في الغالب، نوع الصفائح المتقاربة؛ فالتقارب إما أن يكون
بين صفيحتَين محيطيتَين، أو قاريتَين، أو بين واحدة قارية وأخرى
محيطية.
أ. الاندساس
وفي عملية الاندساس، أو الانضواء، كما تسمى، أحياناً، يندس
طرف إحدى الصفيحتَين المتقاربتين، تحت طرف الصفيحة الأخرى. ويغوص الطرف المندس في الوشاح العلوي، المسمى غلاف الإنسياب، أو الآسثنوسفير
Asthnosphere؛ ويأخذ في التكسر والتصدع. وكلما تعمق في الوشاح، وتعرض
لمزيد من الضغط والحرارة، أخذت صخوره تنصهر وتذوب، حتى يكتمل انصهارها، عند عمق 700 كيلومتر تقريباً. وهناك أنواع عديدة من نطاقات الاندساس،حسب الألواح المتقاربة، وأهمها:
1- اندساس لوح محيطي تحت آخر قاري.
يحدث الاندساس، في هذه الحالة، نتيجة لاختلاف الكثافة بين
الصفيحتَين المتقاربتَين؛ فيغوص طرف الصفيحة الأعلى كثافة، في الجزء
العلوي من الوشاح، تحت طرف الصفيحة المقابلة. لذا، يمكن القول إن
الاندساس، يحدث، غالباً، عند تقارب صفيحة محيطية وأخرى قارية. ولكن
كثيراً من الصفائح، تشمل قشرة محيطية وأخرى قارية، في الوقت نفسه؛ مثل
صفيحة أمريكا الجنوبية (الشكل الرقم 49)، التي تشمل قارة أمريكا
الجنوبية كلها، وجزءاً كبيراً من جنوبي المحيط الأطلسي. وتسمَّى
الصفيحة قارية، إذا كان معظم سطحها، تغطيه قشرة قارية، أو كانت القشرة
القارية أقرب إلى حدود تلاقي الصفيحتين.
يُعد تقارب صفيحة نازكا وصفيحة أمريكا الجنوبية، تقارباً بين
صفيحة محيطية وأخرى قارية. فثانيتهما، تكتسب صخوراً جديدة، في حدها
الشرقي، في حيد وسط المحيط الأطلسي، عند حدود تباعدها عن الصفيحة
الأفريقية. وحدودها الغربية، تقارب حدود صفيحة نازكا المحيطية، التي
تشغل الجزء الجنوبي الشرقي من قاع المحيط الهادي؛ وتكتسب، كذلك، صخوراً
جديدة، في مركز الافتراق والبناء الصخري، في القشرة الأرضية، على حدها
الغربي، المتباعد عن صفيحة المحيط الهادي، في حيد نازكا. ولكن حدها
الشرقي، يندس تحت صفيحة أمريكا الجنوبية (الشكل الرقم 50).
2- اندساس لوح محيطي تحت آخر من نوعه
ينتج هذا النوع من الاندساس أخاديد، تمتد على طول حدود تقارب
الصفيحتَين، ومن أمثلتها أخدود تونجا، في جنوب غربي المحيط الهادي. ومن
ظواهره المميزة، تكون أقواس جزرية (الشكل الرقم 51)، مثل تلك التي كونت
جزر الفيليبين، واليابان، وأندونيسيا، ونيوزيلندا. وهذه الأقواس
الجزرية، تنشأ عن سلسلة البراكين الموازية لأخدود التقارب؛ وذلك ناتج
من انبثاق حمم صخور البازلت والانديسايت، التي قد ترى من غلاف
الانسياب، فوق اللوح المحيطي النازل؛ أو ينتجه انصهار القشرة الأرضية
البازلتية، ورواسب قاع المحيط المندس. ا
التصادم :
التصادم هو الشكل الثاني، من أشكال تقارب الصفائح التكتونية.
وقد مر ذكر الاندساس، وأنه يحدث في حال تقارب صفيحة محيطية من أخرى
قارية، أو تقارب صفيحة محيطية من أخرى محيطية. ويحدث التصادم، عند
تقارب صفيحة قارية من أخرى قارية.
ويرتبط حدوث التصادم بين صفيحتَين قاريتين، بتكون جبال
التوائية شاهقة الارتفاع. وذلك بسبب تجعد طبقات صخور القشرة الأرضية،
المحصورة بين الصفيحتَين المتصادمتَين، أو على أطرافهما. وحدود الهدم
في الصفائح التكتونية، في الشكل الثاني، تقابل الحدود البناءة بين
الصفائح المتباعدة.
وأمثلة هذه الحالة كثيرة، على سطح الأرض. فقد نشأت جبال
الهملايا عن تصادم الصفيحتَين، الهندية والأوراسية. ونشأت سلاسل جبال
الألب عن تصادم الصفيحتَين، الأفريقية والأوراسية، في جنوب أوروبا.
وتشكلت سلاسل جبال زاجروس وطوروس والأناضول، من ضغط الصفيحة العربية
على كل من الإيرانية والتركية.
وعند تصادم صفيحتَين قاريتين، تهيئ الالتواءات في صخور
القشرة الأرضية، والفوالق والصدوع المصاحبة لها، مجالاً لتدفق اللابة؛
وهي، غالباً، في الأماكن المكونة من صخور الريولايت Rhyolite،
الجرانيتية، ذات الحمضية العالية.
ويَعد كثير من الجيولوجيين تصادم صفيحتَين قاريتين، هي
المرحلة الأخيرة في حركة الصفائح التكتونية. وتصادم صفيحتَين قاريتين؛
في جميع الأمثلة المذكورة أعلاه، كان على حساب صفيحة محيطية تفصل
بينهما. فالصفائح، الهندية والعربية والأفريقية، كانت أجزاء من قارة
جندوانالاند القديمة. وكان يفصلها عن لوارسيا، أو بالتحديد الصفيحة
الأوراسية (حالياً)، بحر تيثس القديم. ويعتقد أن القشرة المكونة لقاع
ذلك البحر، قد تأكَّلت، بالاندساس. وتشهد الرواسب، البحرية والمرجانية،
على قمم جبال الألب وجبال الهملايا وبين ثنياتها، بأنها كانت رواسب قاع
بحر قديم، أدى الضغط الشديد عليها، من الجانبين، التواءها وارتفاعها
إلى الأعلى، مكونة تلك السلاسل الجبلية الشاهقة.
حينما تتصادم صفيحتان قاريتان، لا يحدث اندساس لإحداهما تحت
الأخرى، لتغوص في طبقة الانسياب، الاسثنوسفير؛ وذلك لانخفاض كثافتيهما،
وخفة وزنيهما، بالنسبة إلى الطبقات التي تحتهما؛ مثل كرتين تصادمتا،
على سطح الماء، تأبى إحداهما أن تغوص تحت الأخرى؛ ومثلما يستحيل على
الجبال الثلجية العائمة، أن يغوص أحدها تحت الآخر، عند تصادمها ببعضها.
وبدلاً من أن تغوص إحداهما تحت الأخرى، فإن الصفيحتين القاريتين
المتصادمتين، تلتحم إحداهما بالأخرى، وقد تندفعان إلى الأعلى، أو إلى
الجانبين. وقد أدى تصادم الصفيحتين، الهندية والأوراسية، قبل 50 مليون
سنة، تلاحمهما وتضاغطهما، فارتفعت ثانيتهما على أولاهما. رفع الاندفاع
البطيء، والمستمر، لكل من الصفيحتين نحو الأخرى، جبال الهملايا، وهضبة
التيبت إلى ارتفاعاتهما الحالية. وتظهر آثار تضاغطهما الشديد، ليس فقط
في المرتفعات؛ بل في الصدوع الكثيرة، كذلك، المنتشرة في الصين
وسيبيريا، والتي تبعد أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، شمال جبال الهملايا.
معظم هذه الظواهر، تطورت خلال العشرة ملايين سنة الأخيرة. وتشكل جبال
الهملايا، الشامخة إلى 8854 متراً، فوق سطح البحر، أعلى جبال قارية في
العالم؛ بل إن هضبة التبت، التي يصل متوسط ارتفاعها إلى 4600 متر، فوق
سطح البحر، يفوق ارتفاعها أعلى القمم في جبال الألب، عدا جبل بلانك،
وجبل روزا.
3. حدود صفائحية تحويلية (محافظة)
إن الصفائح التكتونية، إما أن تتحرك مبتعدة بعضها عن بعض،
فتكون حدودها متباعدة؛ أو أن تتحرك كل واحدة نحو الأخرى، فتكون حدودها
متقاربة؛ أو أن يحتك بعضها ببعض، وهي تنزلق، أفقياً، في اتجاهين
متعاكسين. ولأن هذا النوع من الحركة لا يصحبه، غالباً، بناءٌ، ولا
هدمٌ، في القشرة الأرضية، فقد أطلق على حدود الصفائح، في هذه الحالة،
حدود محافظة Conservative Boundaries. وقد يطلق عليها، أحياناً، حدود
الصدوع التحويلية Transform Fault Boundaries. وهذا التعبير الأخير،
جاء به عالم الجغرافيا الكندي، تيزو ويلسون Tuzo Wilson، الذي افترض أن
هذه الصدوع، تصل بين مركزي انتشار، أو بين حدود متباعدة؛ وقد تصل بين
حدود صفائحية متقاربة .
معظم الصدوع التحويلية، في قاع المحيط، تدرِّج الحدود
الصفائحية المتباعدة، وتتيح لها الانحناء، من دون أن تتقوس؛ من طريق
التدرج السُلَّمي لأجزاء تلك الحدود، التي تصل بينها حدود تحويلية.
وهذه الحدود تشهد بعض الأنشطة الزلزالية الضعيفة.
بعض هذه الصدوع التحويلية، يوجد على اليابس. ويمتد أشهرها في
اليابس الأمريكي، وهو صدع سان أندرياس San Andreas Fault، الذي يصل بين الحدود المتباعدة لحيد شرقي المحيط الهادي، من الجنوب، والحدود
المتباعدة لحيد جوردا ـ جوان ديفوكا ـ إكسبلو Gorda - Juan de Fuca -
Explores - Ridge، إلى الشمال منه. ويناهز طول هذا الصدع 1300 كيلومتر.
وقد يصل عرضه، في بعض الأماكن، إلى عشرات الكيلومترات. على طول هذا
الصدع التحويلي، ظلت الصفيحة الأمريكية الشمالية، تنزلق، أفقياً، في
اتجاه معاكس لحركة صفيحة المحيط الهادي، على الجانب الآخر من الصدع،
خلال العشرة ملايين سنة الأخيرة، بمعدل حركة، يصل إلى خمسة سنتيمترات،
في السنة. فالأراضي الواقعة على الجانب الغربي من الصدع، على صفيحة
المحيط الهادي، تتحرك في اتجاه شمالي غربي، نسبة إلى الأراضي، التي على
الجانب الشرقي من الصدع، على صفيحة أمريكا الشمالية (الشكل الرقم 59).
يشهد صدع سان أندرياس بعض الزلازل، ذات الأعماق الضحلة؛ وبعض البراكين،
الناشطة بين فترة وأخرى.
بيد أن حدود الصفائح التكتونية، ليست دائماً نمطية واضحة؛ بل
تشذ، في بعض المناطق، عن ذلك النمط العام. فقد تكوِّن الحدود حزاماً
عريضاً، بين صفيحتين، يطلق عليه نطاق الحدود الصفائحية Plate- Boundary
Zone. أحد هذه الأحزمة، وقد سبقت الإشارة إليه، يمتد في إقليم البحر
الأبيض المتوسط، وجبال الألب، بين الصفيحة الأوراسية والصفيحة
الأفريقية؛ وينتظم عدداً من الأجزاء الصغيرة، من الصفائح Microplates.
ولأن العلاقات الحدودية، بين الصفائح، هنا، يكون طرفاها صفيحتين
كبيرتين، وصفيحة صغيرة، أو أكثر، محصورة بينهما، فقد نشأت ظواهر
جيولوجية، وأنماط زلزالية شديدة التعقيد.
نشأة البحار والمحيطات وخصائصها الطبيعية. كما يتضح مما يلي:
نشأة البحار والمحيطات
تضاربت آراء الباحثين في تفسير كيفية توزيع اليابس والماء
وتصور بداية ميلاد الأحواض المحيطة ثم امتلائها بمياه البحر، ويعزى هذا
التضارب إلى أن نشأة الأحواض المحيطية ترجع إلى أزمنة فلكية بعيدة، تصل
إلى اكثر من 1300 مليون سنة، في حين لا يتجاوز عمر الإنسان على سطح
الأرض المليون سنة الأخيرة.
واُقترحت حتى اليوم عشرات النظريات التي تحاول تفسير نشأة
الأحواض المحيطية من جهة وكيفية توزيع اليابس والماء بصورته الحالية من
جهة أخرى. ويدل تعدد هذه النظريات على انه لم تُعرف بعد الصورة
الحقيقية، التي تكونت بها قشرة الأرض الخارجية التي ساهمت في تشكيل
ظواهرها الكبرى.
نظرية تزحزح القارات :
تقوم فكرة تزحزح القارات Continental Drift، على أن قارات
العالم، كانت كتلة يابسة واحدة؛ ثم تكسرت، وتحركت القارات إلى مواقعها
الحالية. لقد لفت التطابق، بين سواحل المحيط الأطلسي، الشرقية
والغربية، أنظار العلماء، وخاصة سواحل أفريقيا وأمريكا الجنوبية .
ومنذ أن توافرت خرائط تفصيلية للملاحة البحرية، في هذه
المناطق، في منتصف القرن السابع عشر، بدأت تظهر في أبحاث بعضهم، الفكرة
القائلة بأن القارتين، كانتا متصلتين. ففي عام 1858، أنجز أنطونيو
سنايدر Antonio Snider، خريطة للأمريكتَين ملتصقتَين بأوروبا وأفريقيا؛
فضلاً عن إشارته إلى تشابه الحفريات، على جانبي المحيط الأطلسي. وفي
عام 1668، شاعت هذه الفكرة في فرنسا. وفي بداية القرن العشرين، ظهرت
أفكار العالمَين الأمريكيَين: فرانك تايلور Frank Taylor، وهوارد بيكر،
Howard Baker، القائلة بفرضية ارتباط قارات العالم القديم وقارات
العالم الجديد؛ وأنها كانت جزءاً من كتلة يابسة واحدة. وقد أيد تايلور
بحثه، عام 1908، بشواهد قوية على تحرك القارات.
ثم جاءت أعمال العالمَين البريطانيين: إدوارد بولارد Edward
Bullard، وآرثر هولمز Arthur Holmes، في بداية القرن العشرين، لتؤيد
هذه الفرضية. ولكن الفضل في وضع هذه الأفكار في إطار نظرية علمية،
واسعة الانتشار، أثارت كثيراً من الجدل، يعود إلى العالم الألماني،
ألفريد فجنر، Alfried Wegener، الذي قدمها في سلسلة من الأبحاث، بين
عامي 1912 و1924. وقد جمع فجنر في أعماله، التي كانت تهتم بدراسة
المناخ القديم، من خلال الآثار الجيولوجية، الأدلة المتعددة، لإثبات أن
القارات كانت وحدة واحدة، متصلاً بعضها ببعض، مكونة قارة عظمى على سطح
الأرض، أطلق عليها اسم بانجايا Pangaea. وقد نشر آراءه هذه في كتابه
الشهير، "أصل القارات والمحيطات" The Origin of Continents and Oceans؛ وأنه كان هناك محيط واحد، يحيط بتلك القارة؛ أطلق عليه اسم بانثالاسا
Panthalassa. ويقول فجنر، إن قارة بانجايا، كانت موجودة، قبل 300 مليون
سنة، في العصر الفحمي Carboniferous Period. كما يقول إنها تكسرت، بعد
العصر الكربوني، وبدأت أجزاؤها تتزحزح، تاركة بينها فراغات، هي التي
تشغلها المحيطات، في الوقت الحاضر.
وقد طابق فجنر، في رسمه لقارة بانجايا، بين سواحل الأمريكتَين،
من جهة؛ وسواحل أفريقيا وأوروبا، من جهة أخرى. وطابق بين سواحل
أستراليا وأنتاركتيكا، وشبه القارة الهندية وجزيرة مدغشفر، وألصقها
بالساحل الشرقي الجنوبي لأفريقيا.
وقد استشهد فجنر على صحة نظريته بشواهد متعددة، يمكن حصرها في
خمس مجموعات:
أ- تشابه السواحل المتقابلة، وخاصة في جنوب المحيط الأطلسي.
ب- تشابه الحفريات في القارات المتباعدة، وخاصة تلك الموجودة في
أفريقيا وأمريكا الجنوبية.
ج- تشابه التركيب الصخري، واستمرارية بعض الظواهر الطبوغرافية،
على السواحل المتقابلة.
د- آثار الغطاءات الجليدية، في بعض المناطق المدارية، في
أفريقيا والهند وأستراليا وأمريكا الجنوبية.
هـ- وجود مناجم الفحم، في الولايات المتحدة وأوروبا وسيبيريا،
في عروض، تفتقد الظروف المناخية، حالياً، لنمو النباتات
المدارية، اللازمة لتكون هذه المناجم.
على الرغم من أن فجنر، كتب نظريته، في وقت مبكر؛ إلا أنها لم
تحظ باهتمام يذكر، حتى ترجم كتابه إلى الإنجليزية، عام 1924، فأصبحت
نظريته موضوع نقاش حاد، استمر حتى موته، عام 1930.
حاول فجنر، في بداية طرحه لنظريته، تطبيق سواحل غرب أفريقيا
على سواحل أمريكا الجنوبية، فواجهه كثير من المصاعب. وتحت ضغط
الانتقادات الشديدة الموجهة لنظريته؛ ولأن السواحل قد تعرضت لكثير من
عمليات التعرية والإرساب، الناجمة عن الأمواج، والأنهار، والتيارات
البحرية، على الجانبَين؛ فقد فشل فجنر في محاولته. ولم ينجح في إيجاد
درجة مرضية من التطابق، بين خطي الساحل المتقابلين. وكاد يسلم بعدم صحة
نظريته. وما ينبغي ذكره، في هذا الخصوص، أن بولارد Bulard، ومعه آخرون
من مؤيدي نظرية التزحزح، تمكنوا، عام 1960، من إيجاد تطابق جيد، بين
حافتي القارتين المتقابلتين؛ ولكن ليس على خط الساحل، بل بين خطي عمق
900م، تحت سطح الماء، على الساحلين المتقابلين (الشكل الرقم 182).
بعد أن فشل فجنر في محاولته تطبيق سواحل القارات، وكاد يسلم
بعدم صحة نظريته، اطلع على بحث، يشير إلى وجود تشابه كبير، بين
الحفريات الموجودة في أمريكا الجنوبية، وتلك الموجودة في أفريقيا. وبعد
بحث وتدقيق، تبين له أن علماء الحفريات ، والمهتمين بالأحياء القديمة،
يرون أنه لا شك في وجود نوع من الاتصال الأرضي بين القارتين؛ لتفسير
تماثل الحفريات فيهما، وفي أستراليا وأنتاركتيكا. وكانت نظرية المعابر
Pssage Way Theory، هي السائدة في تفسير هذا التماثل. وقد نشط فجنر،
بعد ذلك، في بناء نظريته وتدعيمها بالأدلة. فاستخدم دليل الحفريات،
واستبعد فكرة وجود المعابر، مستشهداً بتماثل التركيب الصخري، في
السواحل المتقابلة، على جانبي الأطلسي، في السواحل الشرقية لأمريكا
الجنوبية وأمريكا الشمالية، والسواحل الغربية لأفريقيا وأوروبا؛ وفي
شبه القارة الهندية، وسواحل أستراليا وأنتاركتيكا. هذا التشابه حاصل،
مثلاً، في جبال الأبلاش، التي تشبه في تركيبها جبال جرينلاند Green
Land، وبعض جبال أوروبا. هذه الجبال، عند وصل بعضها ببعض، تشكل سلسلة
جبلية واحدة، لها التركيب والخصائص أنفسهما. والتشابه في التركيب
الصخري، والتطور الجيولوجي للسلاسل الجبلية، لا يمكن نظرية المعابر
تفسيره، وخاصة أنه لا يوجد لهذه المعابر المزعومة أثر، تحت مياه
المحيط. وقد استشهد فجنر، كذلك، بشواهد من آثار التغيرات المناخية
القديمة، التي شملت آثار غطاءات جليدية قديمة، يرجع عمرها إلى نهاية
العصر الباليوزوي (الجدول الرقم 41) قبل 300 ـ 250 مليون سنة، في نصف
الأرض الجنوبي؛ شملت كلاً من أفريقيا، وأمريكا الجنوبية؛ إضافة إلى
الهند، وصحاري أستراليا (الشكل الرقم 183). هذه الآثار، تدل على أن
الجليد، غطى مناطق واسعة، في نصف الكرة الجنوبي، معظمها تقع، حالياً،
في المناطق، المدارية وتحت المدارية؛ ولا تبعد عن خط الاستواء أكثر من
30ْ. فهل مرت بالأرض فترة متجمدة شديدة، امتدت الغطاءات الجليدية،
خلالها، إلى هذه المناطق القريبة من خط الاستواء؟ استبعد فجنر هذه
الاحتمالية، على أساس أن غطاءات واسعة من النباتات المدارية، كانت تغطي
النصف الشمالي من الكرة الأرضية، في الوقت نفسه، الذي كان الجليد فيه،
يغطي النصف الجنوبي. وقد كونت بقايا تلك النباتات مناجم الفحم،
الموجودة، حالياً، في أمريكا الشمالية وأوروبا وسيبيريا.
وقد اقترح فجنر تحليلاً، يجمع بين هذه الشواهد ويوضحها؛ فحواه
أن قارات النصف الجنوبي، كانت يابساً واحداً، متصلاً، حول القطب
الجنوبي؛ وتتصل بها، من الشمال، قارات النصف الشمالي. وهذا يوضح
الامتداد الواسع للغطاءات الجليدية إلى قارات النصف الجنوبي؛ وذلك يجعل
قارات النصف الشمالي، تقع في المناطق المدارية، كذلك؛ ما يوفر الظروف
الملائمة لنمو النباتات المدارية، التي كونت مناجم الفحم، في تلك
المناطق.
لم يكن كثير من الجيولوجيين، المعاصرين لفجنر، ليترددوا كثيراً
في قبول فكرة، أن قارات العالم، كانت مجتمعة في قارة كبرى، مشكلة
يابساً واحداً، متصلاً، من القطب الجنوبي شمالاً. إذ وجود قارة
بانجايا، كان مدعماً بالكثير من الأدلة، المقنعة لعدد كبير منهم، في
عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته.
على الرغم من السخرية الشديدة، التي لقيتها النظرية من كثير من
معاصريه، وعلى الرغم من أن المقالات، التي تردّ على نظريته، كانت تأتي
من كل حدب وصوب؛ فقد أصدر فجنر، عام 1929، الطبعة الرابعة، والأخيرة،
من كتابه "أصل القارات والمحيطات"، متمسكاً بنظريته، بل مضيفاً شواهد
جديدة عليها.
يكمن الإشكال الكبير، بالنسبة إلى النظرية، كان في التزحزح بحد
ذاته. وهو إشكال، يقوم على التساؤل عن الأسس الفيزيائية لهذه العملية،
ويتمثل في:
أ- ما الذي كسَّر قارة بانجايا.
ب- وما هي القوة، التي دفعت أجزاءها إلى أماكنها الحالية؟
كان هذان التساؤلان عن آلية التزحزح، الزحزحة من أقوى
الاعتراضات، التي وجهت إلى النظرية. وقد بنى عليهما تساؤل آخر،
هو: لماذا لا تتزحزح القارات، اليوم، بالصورة نفسها، التي يذكرها
فجنر؟ أو لماذا توقف التزحزح؟
ج- لا يوجد أثر، في قيعان المحيطات، لمرور كتل القارات فوقها،
في طريق تزحزحها إلى أماكنها الحالية. ولا يوجد أدلة على ضعف
القشرة المحيطية، إلى درجة، تسمح بمرور القارات فوقها، من دون أن
تترك أثراً.
فافتراض فجنر، أن الكتل القارية، الأقل كثافة، قد تزحزحت فوق
صخور القشرة المحيطية، الأعلى كثافة، ليس له شواهد تسانده. وهو،
فيزيائياً، غير ممكن؛ إذ إن الكتل الصخرية الصلبة للقشرة الأرضية، لا
يمكن أن تتحرك فوق بعضها، من دون أن تتكسر، ومن دون أن تترك أثراً، كما
تتحرك السفن فوق الماء.
كان فجنر قد اقترح، أن جاذبية القمر، وحركة المد، ربما كانتا
قويتين، بما يكفي لتكسير قارة بانجايا ودفع أجزائها إلى التحرك. ولكن
عالم الفيزياء البريطاني، هارولد جيفري Harold Jeffreys، أثبت أنه لو
ارتفعت قوة الاحتكاك الناتج من المد، إلى درجة تكفي لدفع القارات؛
فإنها ستكون كافية، كذلك، لإيقاف دوران الأرض حول نفسها، في بضع سنين.
على الرغم من أن نظرية تزحزح القارات، لم تحظ بالقبول العام من
العلماء، حينئذٍ؛ إلا أن شواهدها القوية، وأسسها العلمية، رفدت الفكر
العلمي بما يمكن إيجازه في نقطتين:
أ- قدمت النظرية تفسيرات علمية مقبولة، لكثير من الظواهر
المشاهدة على سطح الأرض، سواء في مجال الجيولوجيا، أو الأحياء
والنبات، أو المناخ القديم، والحفريات. ومن أمثلة ذلك، قدمت
النظرية تفسيرات لتطابق السواحل المتقابلة، على جانبي المحيط
الأطلسي؛ وأخرى لتشابه صخور السواحل المتقابلة، على تخوم
المحيطات. وفسرت تطابق اتجاهات السلاسل الجبلية، في شرق الولايات
المتحدة، وجزيرة جرينلاند، وإسكتلندا، وشبه الجزيرة
الإسكندنافية. وفسرت، كذلك، تشابه حفريات نبات الجلوسوترس
Glossopteris، في كل من أفريقيا وأمريكا الجنوبية وأنتاركتيكا
وأستراليا؛ وتماثل أنواع الصخور، في كل من سواحل البرازيل وساحل
غانا. كما فسرت حدوث سلاسل الجبال الالتوائية، وأماكن امتدادها،
في غرب الأمريكتَين، وجنوب أوروبا، وفي آسيا وأستراليا.
ب- أثارت جدلاً علمياً عميقاً، وواسعاً، بين مؤيديها ومعارضيها.
وقد أثرى ذلك الجدل الحركة العلمية، وقتها؛ وأدى إلى رفع مستوى
الفهم العلمي، لعمليات تكوّن الأحواض المحيطية، وتوزع اليابس
والماء. وكان ذلك النقاش بداية منحىً جديدٍ في التفكير العلمي في
هذا المجال؛ قاد، في النهاية، إلى ظهور أفكار جديدة، شكلت أساس
نظرية تكتونية الصفائح؛ وهي النظرية الشائعة القبول بين العلماء،
اليوم، في تفسير الظواهر التضاريسية الكبرى لسطح الأرض، وتكوّن
الأحواض المحيطية.
الظهرة :
تمتد الظهور المحيطية، متصلة على شكل شبكة من السلاسل
الجبلية الضخمة؛ تحيط بالأرض، مثلما تحيط الشبكة بكرة السلة. ويقدر
إجمالي طولها بنحو 65 ألف كيلومتر. وهي تعلو فوق قاع المحيط، بمتوسط
ارتفاع، يصل إلى 4500 متر. وعلى الرغم من أن هذا الارتفاع، يكاد يفوق
أعلى المرتفعات على اليابس، إلا أنها نادراً ما تعلو فوق سطح الماء.
وقد يصل عرضها، في بعض الأماكن، إلى ثمانية كيلومترات. وهذه السلاسل من
المرتفعات المغمورة، وإن كانت تبدو متصلة، في مناطق تباعد الصفائح؛ إلا
أنها تمتد، على شكل قطاعات صغيرة، تربط بينها صدوع تحويلية، وأخاديد.
وهي ليست، بالضرورة، متعامدة على خط الانفصال بين الصفيحتَين
المتباعدتين.
ومما يميز هذه السلاسل المغمورة، أنه يمتد، في قمتها، أخدود
عميق، على طول امتدادها. وقد استدل به العلماء، وبعدد من الشواهد
الأخرى، التي ستذكر لاحقاً، على أن هذه النطاق، هو مركز تباعد الصفائح
Spreading Centers. وسرعة تباعد الصفائح مختلفة؛ إلا أن معدلها السنوي
يراوح بين سنتيمتر واحد، كما في شمال المحيط الأطلسي، وفي البحر
الأحمر؛ 4.4 سنتيمتر في السنة في شرق المحيط الهادي. وهذه السرعة، وإن
كانت تبدو ضئيلة، بمقاييس العمر البشري؛ إلا أنها كبيرة، باستمراريتها
خلال العصور الجيولوجية.
يعد الحيد الممتد في وسط المحيط الأطلسي Mid-Atlantic Ridge،
أشهر جزء في هذه السلسلة المغمورة؛ إذ كان أول ما اكتشف منها في قاع
المحيط، أثناء تمديد كبول التلغراف، بين أوروبا وأمريكا الشمالية بعد
الحرب العالمية الأولى. ونظراً إلى كثافة النقل بين ساحلي المحيط
الأطلسي، وخاصة الجزء الشمالي منه؛ ونتيجة للتقدم، العلمي والتقني،
للدول المطلة على جانبيَه؛ فقد حظي حيد وسط المحيط الأطلسي بدراسات
مستفيضة، كشفت كثيراً من تفاصيل هذه السلسلة، من الظهور المرتفعة،
الممتدة في قيعان المحيطات، والتي يشكل حيد قاع المحيط الأطلسي جزءاً
منها.
يمتد حيد وسط المحيط الأطلسي، من البحر المتجمد، شمالاً، حتى
جنوب المحيط الأطلسي، بعد تجاوزه الحد الجنوبي لقارة أفريقيا، حيث
ينقسم إلى قسمَين: أحدهما، يتجه شرقاً، مكوناً حيد الأطلسي ـ الهندي؛
والآخر، يتجه غرباً، ليتصل بحيد شرقي المحيط الهندي، بسلسلة من
الأخاديد والصدوع. يبلغ المتوسط السنوي لسرعة تباعد الصفائح، على جانبي
حيد منتصف المحيط الأطلسي، سنتيمترين ونصف سنتيمتر، أو نحو 25
كيلومتراً، كل مليون سنة. وقد نتج عن هذه الحركة، التي تبدو بطيئة،
تكون حوض المحيط الأطلسي، خلال 200 مليون سنة.
جزيرة إيسلندا Iceland الواقعة في شمالي المحيط الأطلسي،
والتي تُعد جزءاً من حيده الأوسط هي من المواقع القليلة، التي تعلو
فيها أحياد أواسط المحيطات فوق سطح الماء، وتمثل مختبراً طبيعياً
لعلماء الأرض، لدراسة افتراق الصفائح، وما يصاحبه من ظواهر؛ فهي تشهد
بناء أراضٍ جديدة، في وسطها؛ وتتمدد كلما ابتعدت أوراسيا عن أمريكا
الشمالية (الشكل الرقم 48). ويشهد سطحها عدداً من البراكين الناشطة،
وخاصة في أجزائها الشمالية، قرب بركان كرافلا Krafla، حيث تزداد الصدوع
الأرضية اتساعاً، وتظهر صدوع جديدة، كل بضعة أشهر. وقد ناهز إجمالي
التزحزح الأرضي، في الجزيرة، بين عامي 1975 و1985، 7 أمتار.
يتبع باذن الله
مواضيع مماثلة
» الجزء الثانى من بحث البحار والمحيطات
» بحث علمى شامل عن الذره
» بحث علمى شامل عن النجوم والمجموعه الشمسيه
» اغرب سمكة فى البحار تم اكتشافها
» بحث علمى شامل عن الذره
» بحث علمى شامل عن النجوم والمجموعه الشمسيه
» اغرب سمكة فى البحار تم اكتشافها
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى